بمناسبة إلقاء الضوء على بعض المعلومات التاريخية سنتطرق الى الحديث عن عائلة السيد " بيكو " الفرنسي
أصحاب إتفاقية " سايكس بيكو " الشهيرة
دون الرجوع إلى أصول تلك العائلة منذ القرون الوسطى ، سنبدأ برب الأسرة /، حامل الإسم الذى إنتقل لأفراد أسرته ، وهو السيد جورج بيكو " الذي ولد عام 1838 و توفي عام 1909 و كان هذا جورج بيكو معروفا كأكبر مؤرخ و شخصية قانونية في ذات الوقت .. و لأنه إستطاع تدوين التاريخ السياسي لفترة الثورة الفرنسية ، فقد شرف التعيين مدى الحياة في أكاديمية العلوم المعنوية و السياسية ومن المعروف عنه أنه كان عن صلة وثيقة برئيس الجمهورية الفرنسي " إميل لوبيه " الذى كان يشكو له من سيطرة جماعات الأخوان الماسيونية على سياسة الفرنسية ، لدرجة اغفال قرارته كرئيس جمهورية ، (ويقال أن بيكو كان يلتقى لشكاوى الرئيس لتوصيلها للماسونيين ، حيث كان متوقعا أن يكون له صلة بهم ، بصفة شخصية واسعة النفوذ )
وقد تزوج من إبنه وزير داخلية فرنسا و أنجب منها سبعة أبناء.
ثم كان رعيل الأبناء . فالإبن الأكبر " شارل " كان كبير مفتشى وزارة المالية ورئيسا للبنك الصناعي و التجاري ، ورئيسا لغرفة مقاصة البنوك الفرنسية و بذلك كان له اليد العليا على شئون فرنسا المالية
ثم أتى من بعده الإبن الثانى " فرنسوا " الموقع على إتفاقية " سايكس بيكو " الشهيرة وقد كان محاميا و دبلوماسيا ، انتقل لتمثيل فرنسا كسفير في عدة سفارات ( الدنمارك ، الصين ، لبنان ) ثم جاء إلى القاهرة حيث نمت علاقاته بالطائفة المارونية أثناء الحرب العالمية الأولى . وكان فرنسوا بيكو عضوا في " الحزب الإستعماري الفرنسي " ومن خلاله كان ينادي بضم الشام إلى فرنسا كمقاطعة فرنسية خالصة تكون حدودها من الإسكندرونة شمالا إلى سيناء جنوبا ومن الموصل شرقا إلى البحر المتوسط غربا . وكان ذلك بالطبع أثناء الحرب العالمية الأولى من بداية إنهيار الأمبراطورية العثمانية لذلك ، رتب ووقع الإتفاقية السرية " سايكس بيكو " عام 1916و التى لم تكشف عنها إلا سنة 1918 بمعرفة قادة الثورة البولشفية في روسيا . ومن ذريته ، والد الرئيس الفرنسي السابق " جيسكار ديستان "
ولن و سنذكر أيضا " جييوم بيكو " الذى كان دبلوماسيا ، و سكرتير عام مساعد الأمم المتحدة من 52 إلى 59 ، ومندوب فرنسا في مجلس الأمن من 56 الى 59 خاصة في فترة العدوان الثلاثي .
و أخيرا سنذكر أحد الأبناء المهمين : السيد" جاك جورج بيكو " مفتش مالية عامة ، رئيسا لبعض البنوك ، مثل شقيقته الأكبر ، ثم مديرا عاما للشركة العالمية لقناة السويس في فترة التأميم ، و رئيسا للشركة المالية التى تأسست بعد التأميم بالأموال التي هربتها الشركة خارج مصر بالإضافة إلى أموال التعويضات
و بالمناسبة ، كانت لهم أيضا شقيقة ، السيدة" ليون بيكو " و التي عملت سكرتيرة خاصة للرئيس الفرنسي " مانديس فرانس " في فترة شهدت العدوان الثلاثي على مصر .
كان كل أفراد عائلة بيكو في مراكز حساسة وقامو بالعديد من الأدوار الهامة في عصر إزدهار الفكر الإستعماري الفرنسي حتى أن وظهر ذلك بوضوع في مذكرات جاك جورج بيكو ، بعضهم أطلقوا على تلك العائلة إسم العائلة الإستعمارية عن تجربته في إدارة شركة قناة اغلسويس و محاولات تدويل القناة تفاديا لإعادتها إلى مصر بعد نهاية الإمتياز لا أعتقد أنه يوجد ما يسمى بعائلة إستعامرية ، إنما هي عائلة وطنية فرنسية بمفهوم ذلك العصر ، تعارضت مصالح فرنسا فيها مع المصالح القومية لبلاد الشرق الأوسط و أفريقيا . إنما هي بالتأكيد عائلة صاحبة نفوذ قد تكون الماسونية إحدى أدوات للحفاظ على نفوذها و لجورج أن يفتخر بأبناءه.. و لنا أن ننتقد تاريخ تلك العائلة التى ساهمت في إحتلالنا و نهب ثروات بلادنا . و بعد أن تحدثنا عن تاريخ و أصول عائلة السيد بيكو الموقع على إتفاقية الشهيرة " سايكس بيكو " منذ مائة عام ... ماذا عن السيد سايكس ؟ مانعلمه أنه من عائلة أرستقراطية بريطانية من البارونات ، ولد عام 1879 و توفي عام 1919 باريس بفرنسا أي أن عمره وقت التوقيع على الإتفاقية الشهيرة لم يكن يتعدى السابعة و الثلاثون وقد إشتهر السيد مارك سايكس كمغامر يجوب بلاد الشرق الأوسط و آسيا الصغرى و نتيجة لعلاقاته العائلية فقد تم تعيينه في فترة الحرب العالمية الأولى في سكرتارية وزارة الدفاع البريطانية ملحقا عسكريا في منطقة الكردستان حيث كانت إتصالاته متشبعة بعائلات تلك المنطقة . و لذلك فقد لجأ إليه السيد بيكو لوضع خطة تقسيم أقاليم الإمبراطورية العثمانية ، متوقعا هزيمتها بعد الحرب ومن الواضح أن السيد سايكس لم يحتاج لإستشارة أحد في وزارة الدفاع البريطانية التي كانت قد أعطت السيد بيكو الضوء الأخضر لدراسة و إقتراح مايراه لكن بيكو إستطاع إقناع سايكس بالإحتفاظ بسرية وثيقة الإتفاقفية .
توفي سايكس في باريس فور إنتهاء الحرب نتيجة مرض الأنفلونزا ولم يبقى له أي أثر سياسي بعد هذه الإتفاقية التى شكلت خريطة الشرق الأوسط خلال قرن من الزمان .... ولكن
المفاجئة الطريفة جاءتنا بعد تسعون عاما من تاريخ وفاته ، أي منذ سنوات قليلة عام 2008 حيث طلبت جهات طبية و علمية و عملية إخراج جثته من موقع دفنه بموافقة من تبقى من أفراد عائلته . فلقد توفي السيد سايكس بأفلونزا مشابهة لأنفلونزا الطيور وحيث أن جثمانه كان قد تم وضعه في تابوت محكم و معزول مصنوع من الرصاص لمنع إنتشار الوباء فقد توقع العلماء وجود بقايا حية لميكروب وباء 1918 الذى قضى على مئات الآلاف من البشر و أن ذلك يساعدهم في البحث عن تطعيم فعال .
وعند والوصول إلى موقع التابوت الذى دفن بعمق كبير إتضح أنه قد إنهار و تفتت بفعل وزن التربية المتواجدة أعلاه و فشلت محاولة الإستفادة من وفاة السيد سايكس بالأنفلونزا و هكذا يمر عبر التاريخ بعض الناس لا فائدة منهم سوى وضع بصماتهم على مآسي العالم .